المكتبة

أسرة الزنكي «بين الرواية والوثيقة».. معلومات موثقة أيدتها أقلام مشهود بمصداقيتها

أسرة الزنكي «بين الرواية والوثيقة»

لعبت الهجرات دورا مهما في نشأة دول الخليج العربي في وقتنا الحاضر، في أعقاب الظروف الاقتصادية القاسية التي ضربت الجزيرة العربية، لتستقر الأسر في مكان يؤمن انطلاقها لبناء الأوطان من جديد، وتأمين العيش الكريم لأبنائها، فاستقر المقام لعدد من الأسر في الكويت وذلك في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وكان بينها عائلة الزنكي المعروفة آنذاك بعائلة ابن رزق، والتي تنحدر من قبيلة الخوالد الواقعة شرق شبه الجزيرة العربية، ومتخذة من الاحساء عاصمة لها، وهم من بني جبر من بني عقيل بن عامر بن بني خالد.

هذا مما جاء في بداية كتاب أسرة الزنكي «بين الرواية والوثيقة» لمؤلفه الباحث عادل محمد الزنكي، والصادر بطبعته الأولى 2018م في الكويت، الذي يتحدث فيه عن تاريخ عائلة الزنكي وبداياتها واستقرارها في الكويت، وما مرت به من ظروف منذ نشأتها، فيقول الزنكي في مقدمة الكتاب يقول المؤلف إن المجتمعات العربية تميزت بصفة عامة ودولة الكويت بصفة خاصة بأنها مجتمعات أسرية نشأت من ترابط مجموعة من الأسر من خلال علاقات نسب ومصاهرة، ومن خلال المشاركة في العديد من الأنشطة التجارية والاقتصادية التي تميز أي مجتمع، لذلك فإن عملية التأريخ لأسرة من أسر هذا المجتمع تعتبر محاولة جادة للتأريخ للمجتمع بصفة عامة، أو التأريخ للكويت العريقة بصفة خاصة.

وقد حاول الباحث إبراز دور أسرته في تاريخ الكويت في العصر الحديث، فجمع ما استطاع من معلومات موثقة لا يشوبها شك عن تلك الأسرة، كي لا يأفل نجم من النجوم التي سطعت في سماء الكويت إبان نشأتها، إنها أسرة الزنكي «بن حجي» التي استقرت في منطقة بهيتة، وتركت بصمة شهد لها التاريخ وسجل مواقفها العظيمة في الكفاح والعمل والأخلاق والقيم الفاضلة، وأيدتها الأقلام المشهود لها بالمصداقية والعراقة في معرفة الأنساب والأصول، ولعل في صفحات الكتاب دعوة لشبابنا إلى التمسك بتاريخ وقيم المجتمع وعاداته، والحفاظ على هويتنا وتعميق انتمائنا إلى وطننا الحبيب، وتعزيز الدافع الوطني لديهم.

وتناول الكاتب أهم المراحل التاريخية التي مرت على الأسرة والمنطقة، مشيرا إلى عام الطاعون في كتب التاريخ وما بعد الطاعون الذي أصاب الكويت وما كان يمكن أن يلعبه من تأثير في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والسكانية، حيث ساهمت العديد من الأسر في بناء الكويت من جديد لتحافظ على وطننا الحبيب الكويت، وكيف نجت أسرة الزنكي بنجاة أحد أبنائها وهو الجد حسين أحد أبناء محمد بن أحمد بن حسين بن رزق حيث فنيت أسرته بكاملها ولم ينج منها إلا ذلك الطفل إذ كان عمره آنذاك 7 سنوات، وهذا يمثل دلالة على أن الطاعون مثل حقبة فاصلة في تاريخ الكويت خصوصا إذا علمنا أنه لم ينج منه إلا ما يربو على 400 شخص تقريبا من أهلها بعد أن كان عددهم قبل الطاعون يتجاوز 10 آلاف نسمة عام 1831م.

أما مرحلة ما بعد الطاعون فقد صارعت الكويت فيها من أجل البقاء مع مرض قلما تنجو منه مدينة في العالم، وطن قيض الله له أن ينجو بفضل عزيمة أهله وبفضل تضافر العديد من الجهود التي قام بها الذين نجوا من المرض، كما أن مرض الطاعون أبرز المعدن الأصيل لهذا البلد وأهله الذين رفضوا مغادرته مهما كان الثمن لإدراكهم أن مغادرة البلاد كان معناها نهاية وطن وتشتت شعب.

وكانت أسرة الزنكي تعمل في التجارة حيث ان الشيخ محمد بن حسين بن رزق وولده أحمد كان أول من جلب الأخشاب إلى الكويت، وأول من استخدم السفن الكبيرة لسفر والتجارة، وكان واسع الثراء والكرم وأطلقت كلمة «الزنكي» (والتي تعني الثري) على الأسرة بعد أن كانت معروفة بأسرة بن حجي، وكانت تكتب في الوثائق العدسانية زنقي بالقاف، حتى طغى لقب الزنكي على هذه الأسرة التي كانت تملك في تلك الحقبة من الزمن مجموعة من الدكاكين والبيوت وكان لها نشاط اقتصادي مع الدول المجاورة، وكان عندهم أكثر من 90 مملوكا تم تحريرهم عام 1925م، بالقرار الذي أصدره الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت آنذاك وأصبح هؤلاء من الأسر الكويتية التي ساهمت في الدفاع عن الكويت وبناء نهضتها.

وهناك العديد من الشهادات عن أسرة الزنكي وأحمد بن رزق ومحل إقامة أسرة الزنكي، ودورها في تاريخ الكويت اجتماعيا، وأصهارهم وقصة جوارهم مع آل السعود، والأخوة في الرضاعة معهم، والعمل الخيري والمساهمة في بناء المساجد والأوقاف الخيرية، واقتصاديا بالعمل التجاري والمشاركة بتأسيس محطة لتقطير المياه، كما كان للأسرة دور تربوي وثقافي من خلال المشاركة بتأسيس المدرسة المباركية، وحفظ العدسانيات القديمة والمصحف الأثري، ورعاية حفظة القرآن الكريم، والمساهمة بإنشاء المكتبة العامة وأول مكتبة أهلية.

أما دور الأسرة السياسي فيتجسد في التوقيع على وثيقة حكم الشيخ مبارك الصباح ومبايعته، والمشاركة في معركة الصريف وبناء سور الكويت، ودور الأسرة كذلك خلال فترة الغزو العراقي للكويت عام 1990، إضافة إلى الوثائق العدسانية وورود أسرة الزنكي في العديد منها، كذلك وثائق الدوائر الحكومية، وحتى الوثائق العثمانية.

وقد استشهد الكاتب الزنكي بالعديد من المصادر والمراجع الموثوقة في مؤلفه ليصبح مرجعا تأريخيا لأسرة الزنكي من جهة ولمرحلة مهمة من تاريخ الكويت شهدت الكثير من الأحداث على اختلافها.

سبائك العسجد

كما ساهم الكاتب والباحث عادل محمد الزنكي في إعادة طباعة كتاب «سبائك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد» (1756-1809م)، والذي ألفه عثمان بن سند (1766- 1827م) بطبعة هي الأولى في الكويت عام 2018، حيث ان المؤرخ الكويتي الأصيل عثمان بن سند المولود عام 1766م، ومسقط رأسه جزية فيلكا كان قد تنقل لطلب العلم الديني واللغة والأدب والثقافة بين مدينة الكويت والبصرة وبغداد وبلاد الشام والإحساء والحجاز، وغيرها من المدن العربية، وتميز بأسلوبه النثري ذي السجع المتكلف، ولكنه لا يخلو من المفردات الغريبة والمحسنات اللفظية البديعة.

كما أن له منظومات شعرية كثيرة ومتنوعة بلغت أكثر من خمسة آلاف بيت، متناثرة بين بطون كتبه، التي بلغت أكثر من خمسين مؤلفا.

وكان كتاب «سبائك العسجد» قد طبع في بلاد الهند، بمطبعة مومباي، على نفقة الشيخ عبدالله أفندي العباسي الشهير بباش أعيان سنة 1888م، وأعيدت طباعته في المطبعة نفسها عام 1897م، علما بأن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية، إدارة المخطوطات، تمتلك نسخة مخطوطة من كتاب سبائك العسجد، بخط الكاتب الكويتي محمد المباركي، كتبه لنفسه ولمن شاء الله من بعده عام 1313هـ بخطه الجميل المعروف، وجاءت طباعة هذا الكتاب مساهمة لحفظه من الضياع، وليكون مرجعا أصيلا لتاريخ الكويت ومنطقة الخليج العربي عامة.

خطبة الكتاب المستطاب

ومما جاء في خطبة الكتاب المستطاب: إن أولى ما رفعت فيه أنوف اليراع، ونسجت فيه برود الإبداع، وطرزت مطارفه ببيان الإبداع، حمد من نشر المكارم وألويتها، وروض رياضها وأفنيتها، ورفع آطامها وأبنيتها، وأهب نسائمها، وأدر غمائمها، وفتح كمائمها، أحمده حمد من أعمل بالحمد لسانه، وأشغل بالشكر أركانه وجنانه، وزين بالمكارم بنانه، وبالطلاقة واللطافة إحسانه، وأشكره شكر معترف بامتنانه، مغترف من بره وإحسانه، عارف بعلو شانه، وأصلي على من نطقته البلاغة بنطاقها، وطوقته السعادة بأطواقها، وأحاطته السيادة برواقها، وأركبته النجادة براقها، وجملت به العبادة أجيادها وأعناقها، وزينت به الرسالة أغصانها وأوراقها، وكحلت به النبوة أجفانها، وكملت به الرياسة نقصانها، ونظمت به السياسة جمانها، واغترب من البلاغة غاربها، وشأى في البراعة طالعها وغاربها، وتطوف للكمالات مشارقها ومغاربها، واذدرى منها ذراها، واصطهى من أفراسها صهاها، وسايرته أربابها فما أسرعه وأبطاها.

الكلام عن بلدة الكويت

وجاء في كتاب سبائك العسجد: هذا وحيث أشرنا إلى بلدته المصغرة وضعا، المكبرة بطلعته عظما ورفعا، فنقول: هي الكويت بضم الكاف، وإسكان الياء بلا خلاف، على ساحل بحر العدان، بفتح العين في ضبط ذي الاتقان، لم تعمر قبل ورود أبيه العظيم الشان، إلا بريهة من الزمان، سكنها بنو عتبة، ولهم في عنزة بن أسد نسبة، والذي يظهر أنهم متباينو النسب، لم تجمعهم في شجرة من أم وأب، ولكن تقاربوا فنسب بعضهم لبعض، وما قارب الشيء يعطى حكمه على الفرض.

المؤلف في سطور

عادل محمد الزنكي

٭ باحث وكاتب، من مواليد الكويت.

٭ حاصل على الإجازة الجامعية من قسم التاريخ ـ جامعة الكويت 1979 ـ 1980م.

٭ عمل معلما ثم مديرا في بعض مدارس وزارة التربية الكويتية.

٭ تولى إدارة ثانوية ابن العميد عام 2001م حتى تقاعده 2010م، وقد حصلت المدرسة طوال هذه الفترة على مجموعة من الأوسمة التقديرية وشهادات التميز بمناسبة احتفاء الوزارة السنوي باليوم العالمي للمعلم.

٭ تفرغ للدراسات التاريخية والبحثية منذ تقاعده وسخر كامل وقته في سبيل هذا الشأن.

٭باحث تاريخي مهتم بتاريخ الكويت وشبه الجزيرة العربية.

٭ مهتم بجميع المخطوطات التاريخية والوثائق العدسانية.

٭ من أبرز مؤلفاته في هذا المجال:

– قدم وثائق عدسانية خاصة بعائلة الزنكي في كتاب «موسوعة الوثائق العدسانية» للمؤلف باسم عيسى اللوغاني.

– رواية «الوجه الآخر».

– سبائك المسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد.

– كتاب «أسرة الزنكي بين الرواية والوثيقة».

– مجموعة من المقالات والأبحاث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق