أخبار

الباحث الأكاديمي عبدالحكيم الخضر: ما العلة في حظر الجمع بين وظيفتي السلطة التشريعية والتنفيذية في البلدان العربية ؟

قال الباحث الأكاديمي السيد عبدالحكيم الخضر إن هناك تصور مقترح بفض تشابك حظر الجمع بين عضوية السلطة التشريعية وعضوية السلطة التنفيذية في ضوء تناول مقارنة مادة (حظر الجمع) لعدة دساتير عربية

وأضاف انطلاقًا من رؤية الفقيه الدستوري الفرنسي (جورج بيدو) عندما فطن إلى أن مصير الأمة يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسة هي دستورها، الطريقة التي ينفذ بها، ومدى الاحترام الذي يبعثه في النفوس، وإن كان الدستور كمنظومة متكاملة يعني القانون الأعلى والأسمى لكل دولة حيث يجب على جميع القواعد القانونية الأخرى عدم مخالفته لكونه يحدد القواعد الأساسية لثلاثة أمور هي شكل الدولة بسيطة أم مركبة، ونظام الحكم ملكي أم جمهوري، وشكل الحكومة رئاسية أم برلمانية فمن المفترض أن يكون الدستور مبعث فخر وغير مربك للواقع السياسي، ولا يمكن لنا أن نصفه بالمنزه عن احتواء الأخطاء والقصور، فهو في نهاية المطاف جملة من أفكار البشر يغلب عليها النقص وضعف أتمة الكمال.
ولا نعلم حقيقة ما العلة في حظر الجمع بين وظيفتي السلطة التشريعية والتنفيذية في البلدان العربية كما لا نقف على أسباب مقنعة للمشرّع الدستوري العربي في هذا الشأن على وجه الخصوص؛ إذ نرى في بعض مواد الدساتير جمودًا وركودًا لا يناسب طبيعة المرحلة الزمنية الحالية والتي تتطلب تغييرًا جذريًا فعليًا للعديد من الأمور في كافة المجالات بلا استثناء، وفي القلب منها المجال السياسي وذلك بسبب التقدم المذهل والمدهش الذي صاحبته المزيد من التغييرات واتساع البلدان بثرواتها البشرية، يضاف كذلك تعاقب الأزمات السياسية والاقتصادية… إلخ، إضافةً لكونه أمرًا طبيعيًا في ظل الانتقال من حياة أكثر تعقيدًا إلى حياة أبسط سلاسة وانتظامًا نتيجة توافر العديد من المقومات التي تساعد وتساند الفرد على كسب المزيد من الحقوق المشروعة ما لم يثبت ارتكابه لأي جُرم – بركنيه المادي والمعنوي – مخالف لقوانين وأنظمة الدولة.

وأشار إلى أن النظر لطبيعة الجمود السياسي المتعلق بثبوت بعض مواد الدساتير العربية وخاصة فيما يتعلق بمادة حظر الجمع بين وظيفتين إحداهما تشريعية وأخرى تنفيذية بأي صورة من الصور سواءً أكانت وظائف وزارية، أو مديري الجامعات ووكلائها وأعضاء هيئات التدريس والبحوث ومن في حكمهم من العاملين في الوزارات والهيئات العامة التي تمارس نشاطات علمية، أو وظائف الإدارة العليا بالحكومة ووحداتها المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها أو بعض الوظائف الأخرى … فإننا نرى أن ذلك القيد يتنافى مع طبيعة التفرد بتحقيق مكتسبات شخصية وفردية وخاصة إذا ما كانت لدى الفرد القدرة على الجمع بين العديد من الوظائف مهما كانت طبيعتها مادام يمتلك الخبرة والدراية والقدرة التي تؤهله من القيام بذلك، وبما لا يتعارض مع حقوق كل وظيفة وضوابطها وبما لا يتيح أيضًا استغلال المال العام وهدره؛ إذ إنه من المفترض أن يكون هناك ضوابط ناظمة وحاكمة لحالات الجمع بين وظيفة السلطة التشريعية والتنفيذية على حدٍ سواء بغية إحداث الكثير من التوازنات السياسية بعيدًا عن التشدق بأن العضو البرلماني غير قادر على ممارسة وظيفتين في آن واحد وهو ما لا نراه صحيحًا.
وتابع ونحن كما لا نود أن نتعارض مع روح القانون والمواد الدستورية شديدة الحساسية ولكننا كذلك نرغب في أن نطرح وجهة نظرنا بما يحقق الانتفاع السياسي المقبول ومساهمة متواضعة لتحقيق التوازن الدستوري وبما لا يؤثر على أعمدة الدول العربية وكِياناتها الدستورية وأوردتها القانونية، وبما يشعر الفرد بمدى اتساع الديمقراطية الجادة ويستوجب إعادة النظر في الجمع بين الوظائف حيث نرى بعض الدوافع التي من شأنها أن تساعد المشرّع العربي في إعادة النظر، وقبل أن نتطرق لذلك نستعرض بعض الدساتير العربية التي تناولت مادة عدم جواز الجمع بين عضوية الحكومة والبرلمان.
• ففي الدستور المصري أكدت المادة (164) على أنه “… ولا يجوز الجمع بين عضوية الحكومة، وعضوية مجلس النواب، وإذا عين أحد أعضاء المجلس في الحكومة، يخلو مكانه في المجلس من تاريخ هذا التعيين”.
• وفي الدستور الكويتي جاءت المادة (120) والتي تقضي: “لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأمة وتولي الوظائف العامة وذلك فيما عدا الحالات التي يجوز فيها الجمع وفقًا للدستور، وفي هذه الحالات لا يجوز الجمع بين مكافأة العضوية ومرتبات الوظيفة. ويعين القانون حالات عدم الجمع الأخرى”.
• وفي الدستور التونسي قضت المادة (90) بأن “يُمنع الجمع بين عضوية الحكومة وعضوية مجلس نواب الشعب. ويضبط القانون الانتخابي كيفية سدّ الشغور. ولا يجوز لرئيس الحكومة ولا لأعضائها ممارسة أية مهنة أخرى”.
• وفي الدستور الأردني نصت المادة (76) على “مع مراعاة أحكام المادة (52) من هذا الدستور لا يجـوز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان أو النواب وبين الوظائف العامة ويقصد بالوظائف العامة كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العامة ويشمل ذلك دوائر البلديات وكذلك لا يجوز بين عضوية مجلس الأعيان ومجلس النواب”.
• وفي الدستور الإماراتي أكدت المادة (71) على أنه: “لا يجوز الجمع بين عضوية المجلس الوطني الاتحادي وأية وظيفة من الوظائف العامة في الاتحاد بما في ذلك المناصب الوزارية”.
• وفي الدستور الجزائري أوردت المادة (122) أن: “مهمة النائب وعضو مجلس الأمة وطنية، قابلة للتجديد، ولا يمكن الجمع بينها وبين مهام أو وظائف أخرى”.
• أما الدستور اللبناني قضت المادة (28) بأنه: “يجوز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة. أما الوزراء فيجوز انتقاؤهم من أعضاء المجلس النيابي أو من أشخاص خارجين عنه أو من كليهما”.
ويلحظ على مادة الحظر جمودها في جميع دساتير الدول العربية المشار إليها أعلاه، باستثناء دولة (لبنان) حيث جاءت مادة الحظر مرنة بعض الشيء، ونرى في دستورها أكثر اتساعًا وعمقًا بجواز الجمع بين الوظيفة التشريعية والتنفيذية معًا وهو ما نأخذ به ونطالب بتطبيقه.

وبين أن دوافعنا وأسبابنا نحو عدم حظر مزاولة وظيفة السلطة التشريعية والتنفيذية معًا تتلخص في ضوء الآتي:
1- أن تواتر مادة حظر الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة التي وردت بالتشابه بين مختلف الدساتير العربية تؤكد على رؤية واحدة لا تعكس الواقع الفعلي لها الآن عدا (لبنان) التي توسعت بجواز الجمع.
2- أن جمودية مادة حظر الجمع بين الوظيفة التشريعية والتنفيذية تترك مجالاً كبيرًا أمام الفرد للتحايل على القانون للاستفادة من المال العام والتكسب المحرم شرعًا.
3- أن الجمع بين وظيفة السلطة التشريعية والتنفيذية لا يقلل على الإطلاق من دور عضو البرلمان من مراقبة أنشطة السلطة التنفيذية وتصرفاتها وأعمالها والمشاركة في طرح الاستجوابات الماسة بسياستها.
4- لم يرد نصًا منطقيًا يجرّم الجمع بين وظيفتين مادامت كل وظيفة منفصلة عن الأخرى وطبيعتها مختلفة من حيث المهام والاختصاصات.
5- ضرورة الاقتداء بالتجربة الجديدة بجواز عدم حظر مزاولة وظيفة السلطة التنفيذية والتشريعية معًا بعد قضاء وقت طويل من انسداد الأفق السياسي بين السلطتين.
6- يرى الكثيرون أن الراتب الذي تحدده الدولة للوظيفة الواحدة غير كافٍ لسد متطلبات واحتياجات الحياة الآخذة في النمو والتصاعد يومًا تلو آخر.
7- اقتضى الواقع الحالي ضرورة مزاولة أكثر من عمل ما لم يخالف أنظمة الدولة وقوانينها وبما لا يؤثر على طبيعة العمل مهما كانت الوظيفة.
8- قدرة العضو على ممارسة أكثر من وظيفة في آن واحد لا تشكل عائقًا على الإطلاق بقدر ما تشكل تهديدًا للمال العام وتحقيق الانتفاعات والتي بمقتضاها تلزم المحاسبة.
9- الخبرة التي يتمتع بها العضو وممارسته السياسية المتنوعة تؤهله لأن يتخذ قرارات سليمة ودقيقة عند القيام بأي وظيفة أخرى نظرًا لتمتعه وإلمامه بالقوانين والحقوق والمكتسبات السياسية وغيرها.
10- أنه في حالة جمع العضو بين وظيفته التشريعية والتنفيذية يساعد على تجنيب المساءلة القانونية وبالتالي يكون مستوى الأداء المتعلق به ناجزًا وفعالاً على ألا يكون هناك تعارض بين الوظيفتين مع طبيعة تنظيم كل عمل.
11- محاولة جادة لاستيقاف ووأد النزاع والتأزيم الدائم بين السلطة التنفيذية والتشريعية، كما أن ذلك من شأنه أن يساعد في رأب الصدع بين السلطتين بعد تاريخ طويل من الصراع السياسي بينهما.
12- أن الجمع بين وظيفة تشريعية وأخرى تنفيذيه يحافظ على موارد الدولة باعتبار العضو مسؤولاً عن التشريع والرقابة وبالتالي فإن دوره يكمن في المحافظة على المال العام.
13- خلق تنافس بين الكفاءات التي لديها القدرة على الجمع بين وظيفتين بما يفيد الصالح العام للمجتمع.
14- أن الرفاه المادي والمعنوي هو حق طبيعي لكل فرد لذا فإن سعيه لتحقيقه بالطرق المشروعة عبر أكثر من وظيفة لا يخالف الأعراف ولا القوانين مادام استحصل عليها بطرق صحيحة ومشروعية صادقة.
15- عدم مجانفة القاعدة الشائعة “كل ممنوع مرغوب” فحينما يكون الأمر متاحًا أمام أصحاب الكفاءات والقدرات والمهارت من الأعضاء البرلمانيين يكون بمقدورهم ممارسة وظيفة أخرى لتحقيق أهدافهم.
16- تطبيق وتحقيق القوانين والتشريعات بشكل أكثر فعالية نظرًا لإيمان العضو البرلماني بأهمية هذه القوانين في تطوير الدولة ولكونه من أحد المشرعين لها.
17- نقل خبرات العضو البرلماني إلى السلطة التنفيذية من خلال الاحتكاك المباشر مع أفراد الدائرة التي ينتمي إليها.
ولضمان تحقيق المقترح بعدم حظر الجمع بين وظيفة السلطة التشريعية والتنفيذية يتوجب الآتي:
1- أن يتم استبدال المواد سالفة الذكر والتي تشير إلى حظر جواز الجمع بين وظيفة السلطة التشريعية والتنفيذية وإعادة صياغة المادة على النحو الآتي: “يجوز الجمع بين عضوية السلطة التشريعية وعضوية السلطة التنفيذية بما لا يتعارض مع طبيعة كل وظيفة واختصاصاتها”.
2- أن يتم تحديد راتب آخر بموجب الوظيفة الثانية التي يمارسها العضور البرلماني بحيث تغنيه عن التكسب غير المشروع ولي ذراع القانون لتحقيق مكتسبات تفوق أضعاف الراتب الشهري أو السنوي له.
3- أن يتمتع العضو البرلماني المتقدم لوظيفة أخرى بكفاءة وقدرة على تلبية المهام المطلوبة منه وبما لا يؤثر على طبيعة وظيفته التشريعية.
4- أن يراعي الضوابط الأخلاقية وأمانة ونزاهة العمل وأن يضع نفسه موضع المسؤولية والمحاسبة أمام الضمير والأخلاق.
5- تحديد وظائف ذات اختصاص معين حتى لا تؤثر بشكل مباشر على الوظيفة الرقابية والتشريعية التي يمارسها العضو البرلماني مثل: الوظائف الوزارية، مديري الجامعات ووكلائها وأعضاء هيئات التدريس والبحوث ومن في حكمهم من العاملين في الوزارات والهيئات العامة التي تمارس نشاطات علمية، وظائف الإدارة العليا بالحكومة ووحداتها المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها بالإضافة إلى بعض الوظائف الأخرى.
6- تحديد اختصاصات وضوابط وشروط الوظائف التي يمارسها العضو البرلماني.
7- أن تكون أوقات الوظائف التي يرغب العضو البرلماني القيام بها في غير أوقات وظيفته البرلمانية.
8- أن تضمن الوظائف التي يرغب بها العضو البرلماني ضمان استقلاليته في مواجهة السلطة التنفيذية، وعدم مخالفة مبدأ الفصل بين السلطات وتمكينه من أدائه واجباته البرلمانية بكفاءة وفعالية.
9- أن يتم منح العضو البرلماني التفرغ التام لمدة زمنية معينة مع توقف راتبه إذا ما اقتضت منه وظيفته البرلمانية في وقتٍ ما ذلك.
10- تشكيل لجنة فنية من السلطة التشريعية والتنفيذية للوقوف على مدى فعالية تطبيق هذا المقترح وبما يفيد السلطتين معًا ويحقق مآرب الدولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق